تتلخص وقائع هذه الدعوى بالفتاة (س).. كانت (س) معروفة لدى جميع رفيقاتها بالمرح.. والضحك.. والتلطيش.. وكثرة المزاح منذ كانت في الصف السادس.. وبعد أن نجحت الى الصف السابع انتقلت الى المدرسة الإعدادية التي تبعد قليلاً عن بيتها، وشاءت المصادفة أن تنتقل معها أكثرية زميلاتها في الصف السادس..
لم تحسب (س) حسابا لنضج السن، فلم تتغير، بل ازداد ضحكها ومزاحها في الشارع أكثر، لاسيما عند الذهاب الى المدرسة يومياً والعودة منها ظهراً.. لم تعرف (س) أن بعض الشباب يتصيدون الضحكات في كل صباح وعند الانصراف من المدرسة.. فكان الشباب الذين يقفون عند الزوايا وعلى الأرصفة كل صباح.. هذا يركب دراجة هوائية وآخر نارية وثالث يركب سيارة وأطلق العنان لمكبرات الصوت.
وكان الشاب (ف) يسابق خيوط الفجر ويجلس عند زاوية الحديقة القريبة من بيت القاصر (س)، ومنذ خروجها يتابعها مثل ظلها حتى يطمئن عليها عندما تدخل حرم المدرسة.. ثم يعود الى النوم ويستيقظ قبل الظهيرة ليعيد الكرة كما الصباح.
لم تغير (س) من عادتها.. أي عادة الضحك بل زادت.. الأمر الذي جعل الشباب يسيرون خلفها أفواجاً، وكل واحد يريد أن يفوز بضحكة أو طرفة عين.. أو حتى سخرية..
كانت (س) ترضي الجميع، وكانت كما تقول رفيقتها (أ) تريد أن يجتمع كل الشباب حولها وكانت تفتخر بذلك.. وبأنها أكثر حظوة لدى الشباب وهم أكثر إعجاباً بها.. هذا الأمر جعل بعض زميلاتها يبتعدن عنها ويرفضن السير معها عند الذهاب الى المدرسة صباحاً والعودة مساء، لم تبال (س) بنصائح زميلاتها في المدرسة والكف عن هذه الأساليب لأنها سوف تجرّ عليها الويلات والمشاكل.. هذه النصائح اعتبرتها (س) غيرة لاأكثر.. واستمرت بذلك وهي لاتزال طالبة في الصف الأول الإعدادي..
انتهى العام.. وبقدر ما كانت (س) فرحة أثناء الدوام لم يسمح لها في الصيف بالخروج إلا مع من هو أكبر منها سناً إما أختها أو أمها.. لذا كانت (س) تنتظر العام الدراسي بفارغ الصبر ليس حباً بالمدرسة كما تقول زميلتها (أ) وإنما من أجل الخروج وما يرافق ذلك من كتابة الرسائل وتبادل الأشرطة والسيديات وأخذ الهدايا من هذا الشاب أو ذاك.
كانت (س) كما تقول زميلتها (أ) في الضبط الفوري، تتباهى بحصد الهدايا والضحك على الشباب، وكانت تقول: إن الشباب يريدون من تضحك عليهم ولايفضلون الصادقة.. مع مرور الزمن وسير الأيام في الصف الثامن الذي قارب على نهاية الفصل الأول.. أخذ الكثير من الشباب يتمادون على (س) حتى إن البعض لايبالي إذا أمسك يدها في الشارع أو أخذ جزءاً من كتبها أو دفاترها.. وهذا كان يجري حتى أمام زميلاتها الطالبات ممن يكن خلفها أو أمامها.. فُصلت أكثر من مرة لسوء سلوكها في الصف كما تقول (أ) أو لسبب تأخرها صباحاً..
وتقول (أ): كنت أشاهد (س) تلبس ثياباً تحت ثياب المدرسة، وكانت تدخل الى مدخل بناية على طريق المدرسة وتخلع ثياب المدرسة وتضعها في كيس وتذهب المشوار الذي تريد وقبل نهاية الدوام كانت تعود وتسير معنا حتى تصل الى البيت.
أرسلت المدرسة أكثر من مرة معي دعوة الى ولي أمرها ولكن كنت أخاف منها لأنها كانت «مشرانية» وتستطيع أن تطلب من أي من الشباب أن يعترض طريقي، وهذا ما هددت به إذا أعطيت دعوة ولي أمرها الى أهلها أو إذا أخبرت المدرسة.. فكنت أحتج للمدرسة بأنني قد أوصلت الدعوى وأحياناً أقول للموجهة إنه لايوجد أحد في البيت أو.. أو ... أو....الخ.
وفي ذات صباح شاهدت (س) تقف بين شابين الواحد منهم بطول العمود وهي تضحك.. جئت الى المدرسة، وفي ذلك اليوم لم تحضر، ولم أشاهدها كالعادة عند الانصراف.. وفي اليوم الثاني جاءت الموجهة وسألتني هل شاهدت (س) فقلت لها: لا.. فقالت لي: المديرة تريد أن تراك.. ذهبت وشاهدت أم (س) وأخاها فقلت لهما إنني شاهدتها البارحة الساعة السابعة والنصف صباحاً برفقة كذا وكذا.. عرفت فيما بعد أن (س) لم تنم في بيتها في تلك الليلة وبدأ البحث عنها عند أخوالها وأعمامها وفي المشافي.. ولكن دون جدوى وبعد تقديم شكاوى الى الشرطة والأمن الجنائي.. حيث بدأ البحث عنها وعثر عليها بعد ثلاثة أيام جثة هامدة وقد تعرضت للاعتداء وتمزيق صدرها وجسدها وتهشيم رأسها.. وقد تأيدت هذه الوقائع بالأدلة التالية:
محضر شرطة التضامن، والمتضمن أقوال وشهادة الأم وابنها وتغيبها عن المدرسة والبيت في تلك الأيام.. ومحضر فرع الأمن الجنائي في ريف دمشق والمتضمن أقوال الشاهدة (أ) كما جاء في بداية الدعوى.. وتعرفها على أوصاف الشابين اللذين كانا برفقتها في ذلك اليوم.. وتقرير الطبيب الشرعي الذي يتلخص بتعرض (س) للاعتداء والاعتداء عليها أيضاً خلافاً للطبيعة وتعرّض صدرها وباقي جسمها الى التمزيق والتشويه.. واعترافات المتهمين (ص) و(ك) أمام محقق الأمن الجنائي بما نسب إليهما من خطف واغتصاب وقتل.. وأقوال المذكورين أمام هيئة المحكمة، غير أنهما أنكرا ما نسب إليهما، وأن اعترافاتهما قد انتزعت منهما بسبب الضرب والإجبار.. صحيح أنهما كانا برفقتها صباحاً غير أنهما ذهبا بعد ذلك وأكدا أن لها أصحاباً كثراً..
ومن خلال ما تقدم تبين أنه من الثابت من خلال وقائع الدعوى وأدلتها المسرودة آنفاً إقدام المتهمين (ص) و(ك) على اصطحاب المذكورة واغتصابها وبعد ذلك خنقاها، الأمر الذي يجعل فعل المتهمين يشكل جناية الاغتصاب وفقاً لأحكام المادة /489/ من قانون العقوبات العام، لذلك وعملاً بأحكام المادة /309/ وما بعدها من قانون أصول المحاكمات الجزائية تقرر تجريم المتهمين بجناية القتل أيضاً ووضعهما في سجن الأشغال الشاقة المؤبدة وتجريدهما مدنياً ومنعهما من الإقامة في مكان إقامتهما مدة توازي مدة الحكم.