صرخة آلم في أعماق الرياح
صرخوا بأعماق الرياح
تنهدي.. فتنهدت
وتداخلت أصواتها
بحفيف أوراق الشجر
صرخوا بها فتلمست
وقع الصراخ بكفّها
ثم استقرت فوق أجنحة المساء
وأيقنت أن الهوى
مجرد من صوتها
ومسيج بدموعها
ودموع آلاف البشر
صرخوا بها نامي
فنامت في العراء
وشرّعت أبوابها للعشق
فاتسعت زوايا العتم
وارتجف السهر
خلعت على صدر الشتاء قميصها
غطّته ثم تساقطت مطراً
على جمر الجراح
وخبّأت كل الحنين بجفنها
ثم استطاعت أن تمدّ له النظر
غطته بالشوق الحنون
وبالنبيذ المشتهى
فتزاحمت في العين آلاف الصور
من صورة الثلج الذي غطى السطوح
لصورة المطر الذي ملأ الشوارع
جارفاً ما شاء من وجع
وأشياء أخر
لا أضلعي تسع الجراح
ولا يدي تقوى على ردم الحفر
فخلعت آهاتي ورحت أسوح
في الطرقات أشتف الحنين من السفر
ما زلت أمشي حاملاً في العين
لألأة القمر
ما زال يحملني الحنين
لصوت ملاح يضيع مع العواصف
وهو يصرخ: لي الصباح المنتظر
قالوا سنفتح جرحنا للقادمين
من التلال الوادعة
سنعيد للريح الحزينة صوتها
ونمد أجنحة الضياء
لعاشق يشتم عطر الأقحوان
وينتشي بالشعر أو بالنثر
واللغة الجديدة
يستقل به الندى
أو تستبد به الفكر
ولعاشق يأتي من الزمن الجديد
وفي يديه حقيبتان
بعيدتان عن الندى
وقريبتان من الضجر
فأجبتهم لا تتركوا صوت الرياح
معلقاً ما بين طيات الغيوم
وبين حبات المطر
قد يستعير الياسمين
من البنفسج عطره
قد يشرب العطشان
من ماء السيول الجارفة
قد تأكل الأفعى لحوم بناتها
قد يستقيم الوزن إن رقص الصباح
على أصابع قاتليه
وراح يصرخ
لن يظل الفجر معصوب الجبين
ولن يظل مقيداً
بسلاسل من فضةٍ أو من ذهب
حتى وإن أكلت وحوش الأرض
ألف فريسةٍ أخرى
حتى وإن شربت حياة النبع
في نهم ومزقت البصر
لن يستطيع الليل مد شباكه
إلا لخفاشٍ يطير
مع الظلام مجنحاً
سيعود للفجر الطليق بريقُةُ
حتى وإن وقفت وحوش الأرض
فوق جراحنا
حتى وإن نفثت أفاعي الصمت
كل سمومها
سنظل نحلم بالأماني والأغاني والسمر
لن تسرقوا صوت الحياة من القصيدة
والطفولة والندى
مهما عوت كل الذئاب
ودقّ ناقوس الخطر
سنعيد للريح الحزينة صوتها
ونظل نُعْلي جرحنا
نحن الذين نحب أصوات الرياح
ونحتسي نخب العصافير الحزينة
كلما جنّ الوترْ
سنظل نبني موطناً للياسمين
وآخراً حراً لكل بني البشرْ
سنظل نحلم بالوداعة والصبابة والهوى
ونظل نحمل راية العشق التي تعلو على كل الجهات
فينتشي صوت الحياة
موزعاً ما بين قلبي والسمر
سنظل نبني كوخنا
ونظل نبني فجرنا
حراً كما شاء القدر
حراً كما شاء القدر