أبقى مع المؤرخ نورمان فنكلستين وادانته الاعتذاري الإسرائيلي المتطرف آلان ديرشوفيتز يوماً آخر، ولعل من القراء من يذكر ان ديرشوفيتز دافع عن أو.جي سيمبسون، وهو والعالم يعرف أنه قاتل، وهو يدافع الآن عن القتل الإسرائيلي بالحماسة نفسها، فلا يفعل سوى أن يؤكد وقوع الجريمة
. وأكمل مترجماً باختصار عن فنكلستين
: الهدف من كتاب ديرشوفيتز «الحرب الوقائية» (يمكن استعمال الاستباقية أو الاجهاضية أيضاً بالمعنى نفسه) هو تبرير هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية. ومع ان ديرشوفيتز يحاول أن يبني حججاً قانونية عن النية الجنائية قبل ارتكاب الجريمة، فالواقع أن أمثلة الكاتب كلها مستقاة من التوراة وإسرائيل، وهو يستخدم مثلاً على رأيه الهجوم الإسرائيلي على مصر سنة 1967 وضرب المفاعل النووي العراقي سنة 1981... وهو يقارن ضرب المفاعل بحرب الولايات المتحدة على العراق سنة 2003، ما يغني عن رد
. أما بالنسبة الى مصر فقد كتب مناحيم بيغن، عضو الحكومة الإسرائيلية سنة 1967، ورئيس الوزراء بعد ذلك، ان إسرائيل «كانت تملك خياراً آخر (غير الهجوم). ان تجمعات الجيش المصري في سيناء لا تظهر ان عبدالناصر كان على وشك مهاجمتنا. يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا. نحن قررنا الهجوم». وهكذا فالمثل الذي استخدمه ديرشوفيتز، أو حرب 1967، يلغي حجة الحرب الوقائية ولا يدعمها
. ديرشوفيتز يدافع عن ضربة استباقية اسرائيلية للبرنامج النووي لدول أخرى على أنه عمل وقائي، لأن الأسلحة النووية توقع إصابات مدنية كثيرة. غير أنه يزعم ان جيران إسرائيل يعرفون ان إسرائيل لا يمكن أن تستهدف المدنيين، مع ان هذا ما فعلته في اجتياح 1982 وفي حرب 2006، حتى وإيهود أولمرت يصف الجيش الإسرائيلي بأنه «أكثر جيش أخلاقي في العالم
». في أوائل آب (أغسطس) أصدرت منظمة مراقبة حقوق الإنسان تقريراً شاملاً عن انتهاكات إسرائيل لقوانين الحرب في أول أسبوعين من القتال، وهي وجدت أنه خلال أسبوعين فقط قتل 500 لبناني، معظمهم مدنيون، ودمر حوالى 5000 منزل أو أصيب، في الضربات الإسرائيلية من دون وجود هدف عسكري ظاهر، وفي بعض الحالات استهدف الجيش الإسرائيلي عمداً مدنيين لبنانيين. واستنتجت المنظمة ان إسرائيل ارتكبت جرائم حرب
. في المقابل يزعم ديرشوفيتز في مقالات عدة ان إسرائيل «تأخذ خطوات استثنائية للتقليل من الإصابات المدنية». وهو لا يقدم أي دليل على أن إسرائيل تعتمد على معلومات استخبارات دقيقة وقنابل ذكية لإصابة الإرهابيين فقط، فلا دليل سوى كلامه
. هو يقول ان «النوع الجديد من الحرب» في «عصر الإرهاب» يثبت سخف القانون الدولي الحالي وضرورة تغييره، فهو يقوم على قوانين قديمة تتحدث عن جنود نظاميين يتواجهون بعيداً عن المدن، أما الآن فالجيوش الإرهابية، مثل «حزب الله»، تمتزج بالسكان المدنيين الذين يجندون المقاتلين ويمولون إرهابهم ويسهلونه
. وهكذا فديرشوفيتز يستخدم الإرهاب عذراً لتجريد المدنيين من أي حماية في زمن الحرب، ويطلب إعادة كتابة القوانين، ويسخف التفريق بين المدنيين والمقاتلين، ويعتبر كلمة «مدني» غير ذات معنى، مؤكداً أنه في حال منظمات ارهابية مثل «حزب الله» يصبح المدنيون مكملين للإرهابيين (اقطع الترجمة لتعليق سريع هو ان وصف ديرشوفيتز ينطبق على إسرائيل أكثر من أي بلد آخر، فهناك تجنيد اجباري للرجال والنساء، وأي قتيل بصاروخ في مدينة هو إما جندي حالي، أو سابق، أو مجند في الاحتياط، أو جندي قادم. وقد كانت هذه دائماً حجة الذين يؤيدون العمليات الانتحارية ضد إسرائيل، وعارضتُ هذا الموقف دائماً، ودعوت وأدعو الى وقف العمليات الانتحارية لتجنب إصابة مدنيين. وديرشوفيتز في إرهابه يلغي فكرة المدنيين لتبرير قتلهم
). ديرشوفيتز استغل موقعه الأكاديمي للعب دور بارز في حشد التأييد لإسرائيل، وهو زَوَّر سجل إسرائيل في حقوق الإنسان، وأيّد العقوبات الجماعية ضد الفلسطينيين وتدمير قرية فلسطينية أتوماتيكياً بعد أي هجوم، كما دعا الى تعذيب المعتقلين الفلسطينيين، وأقرَّ الاغتيال، وجعل التطهير الإثني قضية غير مهمة
. في الكتاب «الحرب الوقائية» أقر ديرشوفيتز بأن بعض التحريض بالكلام يؤدي الى نوع من الشر، والمثل على ذلك الحكم بالمؤبد على مذيع حرض الهوتو، وحكم الإعدام على الدعائي النازي جوليوس سترايكر، فهناك مبرر لقتل مثل هؤلاء، ما يعني أن ديرشوفيتز يجعل من نفسه هدفاً للاغتيال بتحريضه إسرائيل على القتل
. وفيما يهبط ديرشوفيتز الى درك البربرية، فالدلائل مشجعة على أن قليلين سينضمون اليه
. أتوقف هنا عن الترجمة، وأقول مرة أخرى انني أتمنى ترجمة المقال كله، وتوزيعه، لأنه إدانة صريحة لكل اعتذاري إسرائيلي من نوع ديروشفيتز، فجرائم إسرائيل ما كانت لتستمر لولا وجود شركاء في الجريمة يغطون عليها، وينقلون التهمة الى الضحية
. وفي حين أن أمثال ديرشوفيتز كثيرون، فإن أمثال نورمان فنكلستين أكثر، لذلك يبقى أمل في السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفي الشرق الأوسط والعالم.