في خمسينات ومطلع الثمانينات من القرن الماضي ، كانت ثمة مجلة المضحك المبكي لصاحبها المرحوم حبيب كحالة ، الصحفي الشهير بقدرته على إثارة الضحك لدى قراء المجلة، ولهذا السبب غالبا ما كانت تتحكم بوقت القارئ منذ أن يبدأ بقراءة سطورها حتى الختام . كانت مجلة ساخرة ولكنها بنّاءة بكل ما تعنيه هذه الكلمة . ولم نكن نتوقّع أن يأتي يوم لنقرأ أنباء أو مواضيع تتحكم بأوقاتنا على غرار ما كانت تفعله الأنباء والمواضيع التي تنشر في المجلة المذكورة إلى أن بدأت بعض الصحف الأمريكية تقوم مقامها وتفعل فعلها . وفي هذا السياق نتوقف أمام نبأ ، مصدره الصحف الأمريكية ووكالات الأنباء العالمية كافة وفيه أن " واشنطن لن تحاور سورية كما فعلت فرنسا " مشيرة بذلك إلى زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لسورية . ونتوقف أيضا أمام النبأ الذي بشرنا باختيار الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، السناتور باراك أوباما مرشحا للرئاسة الأمريكية وأنه قبل شاكرا هذا الترشيح ، في وقت كانت أيدي الأمريكيين على قلوبهم خشية ألا يوافق على هذا الترشيح ! وأما النبأ الثالث ، وهو ما أوحى إليّ بهذه الأسطر ، فقد أورد أن استطلاعا أمريكيا أجراه أحد الأندية الأمريكية للعناية بالكلاب وذلك بهدف معرفة الكلب المناسب لعائلة الرئيس الأمريكي المقبل، وبعد أن وعد أوباما وزوجته ميشال بأن بإمكانهما أن يكون لدى العائلة كلب بعد الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل. وفي هذا الصدد تبين أن اثنين وأربعين ألف أمريكي صوتوا في الاستطلاع الذي استمر سبعة أسابيع لجهة الكلب صاحب الحظ السعيد وهو من نوع "الكانيش " أي " المجعّد ". وفي سياق التعليق على النتيجة تضيف المتحدثة باسم النادي ليسا بيترسون أن الكلب من هذا النوع تحديدا يتمتع بذكاء حاد وأنه فضلا عن ذلك يهوى الرياضة، وأن رصيده كبير أصلا لدى الأمريكيين عموما ولأكثر من عشرين عاما. ولم يجر أي استطلاع حول ما يناسب المرشح الآخر أي جون ماكين بهذا الشأن لأن لديه أربعة كلاب من بين أربعة وعشرين حيوانا أليفا، وبالتالي هو في حلّ من " وجع الرأس " هذا حول ما يناسب وما لا يناسب .
وبطبيعة الحال ، فلكل من هذه الأنباء والمواضيع تأثيره علينا نحن سكان هذه المنطقة من ناحية الضحك والبكاء . ففي سورية، على سبيل المثال ، كما قد يتصور سكان البيت الأبيض أن الحزن العميق قد عمّ سوري لأن واشنطن قررت عدم الحوار معها كأنما الحوار مع سورية كان نهجها ومن ثوابت سياستها الخارجية حتى ساعة إعلان هذا الموقف . ومن هنا مثار الضحك لدى السوريين كونهم اعتادوا على سماع مثل هذه الأنباء أو قراءتها منذ سبع سنوات. وأما الاستطلاع ، فأمره غريب حقا، فبديلا عن إجراء استطلاع جاد حول هوية ومستقبل السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية بوصول أوباما إلى منصب الرئاسة ومسؤولية إدارته المقبلة تجاه عملية السلم في منطقتنا، ورعاية شؤون المهجَّرين من كل أصناف البشر ، وتقديم المعونات المادية والعينية للدول الفقيرة حيث أبناؤها مهددون بالموت جوعا وبملايينهم المنتشرة في أرجاء عديدة من العالم ، اقتصر اهتمام النادي المشار إليه بنوع الكلب المناسب لولوج البيت الأبيض مع وصول أوباما إليه ! وأما النبأ الثالث ، فهو ظهور صورة في الصحف الأمريكية ليد امرأة زنجية - كما تبدو في الصورة - تحمل شارة عليها صورة مارتن لوثر كينغ ، مقرونة بعبارة " الحلم تحقق ". ومعروف عن مارتن لوثر كينغ أنه كان الداعية لنصرة الزنوج في بلاده ، وفي العالم عموما، ولأنه شكل خطرا على " ديمقراطية " الأنظمة التي تدعي الديمقراطية، جرت عملية اغتياله في العام 1968 . ولأن الذاكرة الجمعية لشعوب العالم تستيقظ في بعض الحالات، فإن أصحابها يصابون أحيانا بالضحك وأحيانا بالبكاء . يضحكون لأن ثمة من يعتقد ، في الغرب تحديدا ، بأن الناس كافة سذج إلى حد تصديق ما يُرى أو ما يُسمع وبالتالي نسيان حتى ما كان بالأمس القريب، ويبكون، في الوقت نفسه أحيانا على حال هؤلاء السذج لأنهم لا يصدقون أنهم يخدعون أنفسهم قبل خداعهم الآخرين من سكان الأرض ، ومع هذا يستمرون في أداء أدوارهم لا جهلا دائما بل تجاهلا دائما .