مثقفون أم مبدعون

كثيرا ماتحيرني جرعة قسوة أراها زائدة في التعاطي مع اعمالنا الابداعية الحديثة ، اي التي لم تتكرس بعد كسلطة مرجعية في ميادينها، لكن القسوة ذاتها غالبا ماتتشكل في الآن نفسه الدافع لمعاينة الحالة المذمومة، كما حالي مؤخرا مع منجزين ابداعيين أحدهما في ميدان المسرح والثاني في ميدان الابداع الروائي.
عن عرض (تيامو) للفنانة الشابة رغدة الشعراني وصل رفض العمل الى حد تقويض اساسيات في الحياة، حيث كتب احد الزملاء ان العمل يقوم على الضحك المجاني، فهل يمكن ان يكون الضحك مذمة والاستمتاع نقيصه.. الحق أن الصالة الممتلئة عن بكرة أبيها كانت تعيش حالة بهجة اشبه ماتكون بصلاة فرح وشكر، كان تيار السعادة يشعل العتمة بنور ضحك من أعماق القلب، فتسري قهقهات، تدحر الهموم وتزيل الاثقال عن المتكتفين في مقاعدهم، فتشف ارواحهم وتغتسل نفوسهم، فهل من بعد هذه الحالة النبيلة هدف مرتجى لعمل فني يكون اعلى واسمى.‏
زملاء آخرون اخذوا على المخرجة ما وجدوا انه خيانة لشخصيات شكسبير ونصوصه وروحه، فقد حولت الاقدار الى عوارض، والحب الى خيانة، والتراجيديا الى كوميديا، والميلودراما الى تهريج، والسماوي الى ارضي، وفي ظني انها تحررت بذلك من اعادة الانتاج بما فيه من امانة واخلاص وعلى مافيه من تكرار وتقليد، وانتقلت الى مرحلة الابداع بقدرة نادرة على التقاط تناقضات متجاورة تتقلب بين الاضداد بمصادفات تتجاوز التوقعات والحسابات.‏
تيامو، ابداع يتأسس على موروث انساني وادبي مشترك، لكنه يستطيع ان يحدثه ويعصرنه بل يثوره دون وجل أو رهبة تكرس السكونية بهالة قدسية.‏
بالتوازي مع هذا العرض المسرحي لفتتني اتهامات وادانات لعمل روائي جديد من الرقة بعنوان «اللحاف» لأيمن ناصر. نقد محكوم بمعايير ماضوية، تنظر الى المجتمع بكل مكوناته وتفاعلاته كمصغر عشيرة تربط الجميع بصلات النسب والقربى، وبالتالي يتحول أي مأخذ الى تعريض، وأي فرد الى ممثل عن القبيلة ولابد من ضبطه وتقييده بأحكامها ونظمها، أما إن خرج عن تلك النوامييس فسيتداعى ابناؤها للتبرؤ من العاقين لان الواحد يختصر الكل، فإذا بالرواية اقتراح فني ابداعي يحمل بالضرورة جرعة نقد ذاتي في عبوة مجتمعية تؤطره وتحد من انفلاته ولا اقول هنا انطلاقه أو تحرره.‏
ما الذي يحيلنا من محتفين الى قضاة قساة؟‏
ترى هل يكمن السبب في نظرتنا الى أنفسنا فلا نتلقى كمثقفين يقبلون المنتج بما هو عليه، بل نضع انفسنا مكان اصحاب العمل المبدعين فنطالبهم بما كنا سنقوم به لو حمل توقيعنا.‏
على رسلكم، لنحز اولا شرف صفة المثقف ولنخلص لها، ومن بعد لنخض غمار الابداع وأتونه

يسلموو علي مرورك سهر الليالي

تحياتي لك

دوما