الشهيد القائد كمال مدحت .. رفيق أبو عمّار ورجل المهمّات السريّة
24/3/2009 03:16 PM
اللواء كمال ناجي (أبو بلال، 56 عاماً) المعروف بكمال مدحت، هو من الوجوه البارزة في العمل الفلسطيني في لبنان، وقد بقي كذلك حتّى حين «أُقصي» عن تولّي أي مسؤولية تنظيمية في عام 1992. وقبل عامين، صعد إلى الواجهة مساعداً لممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عباس زكي.
وُصِف مدحت في فترة منتصف الثمانينيات من القرن الماضي برجل الأدوار الأمنية البالغة التعقيد، فيما كان البعض يشبهه بالشهيد أبو حسن سلامة.
بدأ مدحت حياته مقاتلاً في صفوف «فتح»، وخضع لدورات قتالية ولدورات ضباط وأركان في معاهد عسكرية في عدد من دول أوروبا الشرقية، فضلاً عن دورات تخصصية في العمل الأمني والاستخباري. وخلال فترة وجود الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في لبنان، كان مدحت أحد مرافقيه الشخصيّين وفي عداد الجهاز الأمني المكلف حماية «الختيار». ومع الأخير، غادر مدحت لبنان عندما خرجت قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت إثر الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. انتقل الرجل إلى تونس، وتنقّل منها إلى بلدان عربية أخرى، ثمّ عاد إلى لبنان عام 1985، وتسلّم مسؤولية قيادة جهاز الاستخبارات العسكرية في حركة فتح في لبنان حتى عام 1991، عندما دخل الجيش اللبناني إلى منطقة صيدا. وخلال تولّيه هذه المسؤولية الأمنية الرفيعة في فتح، التي كانت يومها ممسكة بزمام النفوذ في عدد كبير من المخيمات، شهدت الساحة الفلسطينية أوضاعاً أمنية شديدة التعقيد، أبرزها حرب المخيمات بين الفصائل الفلسطينية وحركة أمل، فضلاً عن عودة التنظيمات المسلحة الفلسطينية إلى الانتشار في مناطق شرق صيدا. وبرز اسم الرجل في تلك الحقبة نتيجة الاتفاقات التي كانت تحاول إيقاف تلك الحرب. وبحكم مسؤوليته الاستخبارية، كان يتواصل مع مسؤولين أمنيين في أحزاب ودول، منها الصديق لمنظمة التحرير، ومنها تلك التي هي على خصومة معها. ويقول أحد الذين عرفوه وعملوا معه إن كمال كان في إحدى المراحل أحد الذين أبقاهم أبو عمار كشعرة معاوية في التواصل مع السوريين في لبنان لحظة احتدام حرب المخيمات والصراع العرفاتي السوري، لكن تواصله كان محكوماً دائماً بالسقف الذي حدده أبو عمار.
ومن أدوار مدحت البارزة ما أوكل إليه من سعي لإيقاف القتال في المنطقة الشرقية عام 1989 بين القوات اللبنانية والجيش اللبناني بقيادة العماد ميشال عون، خلال حرب الإلغاء، حين حاول الوسيط الفلسطيني كمال مدحت عقد تسوية بين الجانبين. وقد جاءت محاولته هذه لتساعد الجهود التي بذلتها القيادة العراقية آنذاك، على قاعدة أن المصلحة تقضي بوقف مسلسل التقاتل المسيحي ومنع إضعاف المنطقة الشرقية الذي لا يستفيد منه إلا الخصم المشترك للمنطقة الشرقية ولجماعة أبو عمار، أي سوريا ورئيسها حافظ الأسد. لكن تلك المعارك كانت أكبر من مساعي مدحت الذي مثّلت زيارته لما كان يُسمى المنطقة الشرقية آنذاك حدثاً بحدّ ذاته.
قبل سنوات، وتحديداً خلال حصار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في رام الله تردد كلام بكثره في لبنان عن علاقة ما ربطت مدحت بمحمد دحلان ، ووصلت الشائعات إلى حدّ القول إن دحلان كان يحاول اقناع الرئيس عرفات بتكليف مدحت لتولي المسؤولية الفلسطينية في لبنان لثقته به .....
فترة الإقصاء عن المسؤولية التي طال أمدها بعد عام 1992 استفاد منها مدحت ليكمل دراسته الأكاديمية الجامعية، إلى أن نال شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من الجامعة اللبنانية، متخصصاً في العلاقات الدولية. وبات يطل على شاشات التلفزة محللاً سياسياً واستراتيجياً وخبيراً عسكرياً.
ورغم ابتعاده عن الصورة العلنية في حركة فتح ومنظمة التحرير، فإنه بقي في خلفية الأحداث، إذ «اتهمه» البعض بوقوفه خلف كل محاولة كان يقوم بها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لإثبات حضوره ونفوذه داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان.
ولم تمنع الفترة الطويلة التي قضاها مدحت بعيداً عن الأضواء من عودته القوية إلى الساحة السياسية الفلسطينية قبل نحو سنتين، وبالتحديد بعد قدوم عباس زكي إلى لبنان ممثلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية. وقيل يومها إن زكي جاء بمدحت لتقوية أوراقه في وجه خصومه من مسؤولي فتح في لبنان، وعلى رأسهم سلطان أبو العينين. وتولى مدحت، إضافة إلى مسؤولية مساعد ممثل منظمة التحرير في لبنان، مسؤولية الإشراف على وضع المخيمات الفلسطينية في لبنان، ولا سيما مخيمات الجنوب ومخيم نهر البارد بعد الحرب التي شهدها بين الجيش اللبناني و«فتح الإسلام».
وخلال الأشهر الأخيرة، برز اسم كمال مدحت داخل حركة فتح، وخاصة أن معظم قادة فتح كانوا يعارضون توليه دوراً تنظيمياً داخل الحركة، رغم قبولهم بدوره التوفيقي بين مختلف أجنحة الحركة، فضلاً عن رضاهم عن عمله مساعداً لممثل منظمة التحرير في لبنان. وبعد الترتيبات الأخيرة التي شهدتها حركة فتح، والتي فُصل بموجبها الجسم التنظيمي عن الجسم العسكري، مع بقاء نفوذ قوي لسلطان أبو العينين في الأول، لم يعد لكمال مدحت أي نفوذ مباشر داخل الحركة، وخاصة بعد الفصل التام بين عمل منظمة التحرير من جهة وعمل حركة فتح من جهة أخرى.
ومما يُجمع عليه الفتحاويون أن كمال مدحت مثل أحد الوجوه المميزة على الساحة الفلسطينية في لبنان، وقد نجح في إدارة خصوماته السياسية بعيداً عن منطق العداء لأحد داخل منظمة التحرير وحركة فتح، وإنه كان أحد الذين حاولوا تقديم صورة مختلفة في إدارة الشؤون الفتحاوية في لبنان.